لعل مردّ الصعوبة التي نواجهها كلما نريد بدأ التغيير من الداخل، أن النفس يصعب عليها الإذعان بأن فيها ما يحتاج إلى التغيير والإصلاح، إذ هي لا تفتؤ تلقّن المرء أنه على ما يرام، وهو محسود في أحواله وصفاته، وربما تقبل النقص لكنها تراوغ لما ترى من عسر يحمّلها التغيير، ومعلوم أن أحدًا لن ينجح في تقديم أيّ مساعدة أو دعم لأحد من الناس أو المجتمع الذي يعيش فيه إذا لم تكن نفسه في أحسن حالاتها، فمعرفة استراتيجيات التخلية الذاتية مقدّمة على التحلية المجتمعية، و"فاقد الشيء لا يُعطيه".
تجيش النفس وتثور إذا أصبحت نقطة البدء في رحلة التغيير، ولكنها لا تلبث أن تهدأ وتستسلم إذا عاينت العزم والصبر والإصرار من صاحبها، فتبدأ في التأقلم مع الواقع ساعية لتغيير الوجهة السابقة، مولّية وجهها شطر الوجهة الجديدة التي تفرضها عليه رحلة التغيير.
فالجميع يتطلع إلى تغيير ما يجد حوله، ناسيًا نفسه، وقد يختار العالم بأسره كـ نقطة انطلاق لهذه الرحلة!
وما أحسن ما قال الشاعر عمرو بن معديكرب:
فجاشَتْ إِلَيَّ النَّفْسُ أَوَّلَ مَرَّةٍ
فرُدَّتْ على مَكْرُوهِها فاسْتَقَرَّتِ
فالنفس تتغير، إذا كان هناك عزم وإرادة ومثابرة واصطبار، وليس الأمر كما يظن الكثيرون بأن تغيير النفس ضرب من المحال، وأنها تظل عصيّة على التغيير، على أن متبنّي هذه الفكرة هم من الصنف الذي قال عنه فرويد: "وُلدوا هكذا، وعاشوا هكذا، وسيموتون هكذا".
إننا في سبيل تغيير واقعنا محتاجون إلى تغيير أفكارنا، ولأجل تغيير المجتمع نحتاج إلى تغيير ذواتنا، فالتغيير رحلة لا تبدأ إلا من داخل الإنسان الذي ينشد التغيير، فالذات هي الجادة السويّة المعبّدة التي تؤدي بنا إلى التغيير، وأما الطرق الأخرى فهي مسدودة دون بلوغ هذا الهدف.
فلتبدأ بهذه الخطوة، إذا أردت التغيير حقًّا، وهي خطوة بسيطة في القياس على البدء من العالم، واعلم أنك إذا نجحت في تغيير نفسك، سوف يتغير مجتمع كامل، وأمة بأسرها، وبالتالي تجد العالم يتغير وجهه، وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
كُتب على قبر قسيس في مقبرة بـ بريطانيا ما يلي:
(عندما كنتُ شابًّا يافعا ذا خيال خصب وطُموح بلا حدود، كان حلمي أن أصلح وأغيِّر العالم، لكن عندما نضجتُ وأصبحت أكثر فطنةً ودرايةً، اكتشفت أن العالم لن يتغيّر حسب مزاجي، وقررتُ أن أحدّ من خطّتي وأكتفي بإصلاح وتغيير بلدي وحسب، إلا أنه سرعان ما تبيّن لي أن هذا أيضا بحكم المستحيل! ولما تقدّم بي السن، قمتُ بمحاولة أخيرة لإصلاح أقرب الناس إليّ: عائلتي وأصدقائي الخُلّص، إلا أني فوجئت برفضهم أيّ تغيير كذلك! والآن.. وأنا أرقد على فراش الموت اتّضح لي فجأة أنه لو ركّزت في البدء على إصلاح نفسي، لكنت مهّدت الطريق على الأغلب لتغيير عائلتي التي كانت ستتخذني مثالًا، وبدعم من عائلتي المحبّة إياي كنت سأقدر على تحسين بلدي، ومن يدري لعله كان باستطاعتي عندها أن أغيّر العالم!.."
فابدأ رحلة التغيير من نفسك، و"كن أنت التغيير الذي تودّه للعالم". والمقولة راجعة إلى غاندي الذي قاد شعبًا بأكمله نحو التغيير.
::الألوكة::